السؤال.. أنا شاب أبلغ من العمر 25 عاماً، ولدي صديق في العمل تعاني ابنة أخته من مرض مزمن، وأخته وزوجها غير قادرين على تكاليف علاج الابنة، وقام عمها بنقلها إلى مسكنه ورعايتها.
ولكن حالته المادية غير ميسورة، ولديه أولاد ومصاريف ملزم بها وهو أيضا لا يستطيع سداد تكاليف علاجها بالكامل. وأنا الآن لدي مبلغ محتفظ به لسداد دين شهري موعده شهريا يوم 26 من كل شهر ميلادي.
أرجو منكم أن تدلوني على التصرف الصحيح هل أعطيه المال كصدقة وليس سلفا، وفي هذه الحالة لن أستطيع سداد الدين هذا الشهر وسيؤجل للشهر القادم؟ وللعلم هو لم يطلب مني شيئا. ما رأي الدين في هذا الموقف ؟؟
وهل من مواقف مشابهه في عهد الرسول صلى الله عليه وسلم .. أو أحد الصحابة ؟؟ وفي كل الأحوال سأعطيه المال لأني أشعر بذنب لأن احتياجه للمال أهم من احتياجي إليه فلا شيء أصعب من المرض والأرزاق بيد الله.
الإجابــة:
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فشكر الله لك حرصك على الخير، ورغبتك في الإيثار، وقد كان السلف رحمهم الله مضرب المثل في الإيثار بما بأيديهم كما مدحهم الله بذلك بقوله: وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ {الحشر:9}. وأخبارهم في ذلك كثيرةز
وما قصة أبي طلحة و أم سليم حين آثرا الضيف بطعامهما وطعام صبيانهما بخافية. ولكن الذي ينبغي لك هو أن تقضي دينك فإن قضاء الدين مقدم على الصدقة، فليس لك أن تتصدق بما يضر بغرمائك إلا أن تستأذنهم فإن أذنوا فلك أن تتصدق حينئذ.
قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله:
واختار شيخ الإسلام ـ رحمه الله ـ أن تصرفه-أي المدين- قبل الحجر، إن كان مضراً بالغرماء فهو غير صحيح ولا نافذ، وإن كان غير مضر فهو صحيح ونافذ، وهذا أصح؛ ووجهه أن تصرفه في ماله تصرفاً يضر الغرماء حرام ـ حتى على المذهب ـ والشيء الحرام لا يجوز أن ينفذ؛ لأن تنفيذ ما حرم الله مضادة لله ـ عزّ وجل ـ، وقال النبي صلّى الله عليه وسلّم: «كل شرط ليس في كتاب الله فهو باطل وإن كان مائة شرط».
ولهذا سئل الإمام أحمد ـ رحمه الله ـ عن المدين، هل يتصدق أو لا؟ قال: بالشيء اليسير كالخبزة وشبهها، وأما ما يضر بالغرماء فلا يجوز، على أننا نرى أنه لا يجوز أن يتصدق ولو بالقليل ما دام عليه دين أكثر مما عنده من المال؛ لأن القليل، مع القليل كثير.
فإذا قلنا تصدق ـ مثلاً ـ بدرهم على هذا الفقير، فجاء فقير آخر تصدق بدرهم وهلم جراً، فصار القليل كثيراً فالمنع أولى؛ ولأننا إذا منعناه من الصدقة، وقلنا: لا يمكن أن تتصدق، صار ذلك أشحذ لهمته في وفاء دينه؛ لأن الإنسان قد لا يحتمل أن يبقى لا يتصدق. انتهى.
ومن ثم فنحن ننصحك بالمبادرة بوفاء دينك ثم إذا فضل بعد ذلك ما يمكنك الصدقة به فافعل، وهذه المريضة إن كانت محتاجة لنفقات العلاج فيمكن أن تعان من مال الزكاة ومن صدقات الموسرين.
والله أعلم.
المصدر: موقع إسلام ويب